hilarious

Tuesday, November 15, 2011

من كتابات د.مصطفي محمود

يسألني القراء دائما في استغراب.. كيف وصلت إلى قرارك الذي تردده في كل كتبك و مقالاتك بأن الإنسان مخير لا مسير.

كيف يكون الإنسان مخيرا و هو محكوم عليه بالميلاد و الموت و الاسم و الأسرة و البيئة، و لا حول له و لا قوة، و لا اختيار في هذه الأشياء التي تشكل له شخصيته و تصرفاته.

و القراء يقعون في خطأ أولي منذ البداية حينما يقيمون علاقة حتمية بين البيئة و السلوك.. و بين الأسرة و تقاليدها و بين الشخصية، و هو تفكير خاطئ، فلا توجد حتمية في الأمور الإنسانية.. و إنما يوجد – على الأكثر – ترجيح و احتمال و هذا هو الفرق بين الإنسان و الجماد و هذا هو الفرق بين الإنسان و برادة الحديد.

برادة الحديد تطاوع خطوط المجال المغناطيسي في حتمية و جبرية و تراص في خطوط المجال حتما حينما نرشها حول المغناطيس.
أما الإنسان فإن علاقته بظروفه لا تزيد على كونها احتمالا أو ترجيحا.

الابن الذي ينشأ في عائلة محافظة محتمل أن ينشأ محافظا هو الآخر مجرد احتمال.. و كثيرا ما يحدث العكس، فنرى هذا الابن و قد انقلب متمردا ثائرا على التقاليد، محطما لها..
و هذا هو الفرق بين المسائل الآلية الميكانيكية و المسائل الإنسانية.. و نفس الكلام يقال في البيئة..

البيئة تشكل الإنسان.. و لكن الإنسان أيضا يشكل البيئة.
و نظرة سريعة في المجتمع العصري حولنا سوف ترينا كيف أخضع الإنسان مشاكل الحر و البرد و المسافات بعقله و علمه و استطاع أن يسودها فهو يكيف الهواء بالمكيفات، و هو يهزم المسافات بالمواصلات السريعة و البرق و الهاتف.

الإنسان ليس كتلة هلامية سلبية تشكلها حتميات البيئة.. و لكنه إرادة صلبة في ذاتها لها حريتها في توجيه الأحداث.
و هذا هو الإنسان الذي ولد طفلا تحكمه أسرته و بيئته و مقتضيات اسمه و تقاليده.. ها هو ذا يهاجر و يغير اسمه و بيئته و أسرته و ينتقل إلى مجتمع جديد فيصنع انقلابا في هذا المجتمع الجديد و يغيره من أساسه.
و ها هو ذا يموت فيترك كتابا.. فإذا بالكتاب يغير التاريخ.

و صحيح أن الإنسان قليل الحيلة في الطريقة التي يولد بها و في الطريقة التي يموت بها.. و لكنه بين ميلاده و موته يصنع حضارة.. أعطاه الله القدرة على أن يبني و يهدم و يحرر و يتحرر و يفكر و يبتكر و يخترع و يفجر و يعمر و يدمر.. و سلمه مقاليد الخير و الشر و حرية الاختيار.

و حواجز البيئة و ضغوط الظروف لا تقوم دليلا على عدم الحرية بل هي على العكس دليل على وجود هذه الحرية.. فلا معنى للحرية في عالم بلا عقبات.. و في مثل هذا العالم الذي بلا عقبات لا يسمى الإنسان حرا، إذ لا توجد لرغباته مقاومات يشعر بحريته من خلال التغلب عليها.
و الحرية لا تعبر عن نفسها إلا من خلال العقبات التي تتغلب عليها.. فهي تكشف عن نفسها بصورة جدلية من خلال الفعل و مقاومة الفعل.
و لهذا كانت الضغوط و العوائق و العقبات من أدلة الحرية و ليس العكس.

و الفيلسوف الغزالي يحل المشكلة بأن يقول إن الله حر مخير مطلق التخيير و المادة الجامدة مسيرة منتهى التسيير.. و الإنسان في منزلة بين المنزلتين.. أي أنه مخير مسير في ذات الوقت.. مخير بمقدار مسير بمقدار.

و توضيحا لكلامه أقول إن الإنسان حر مطلق الحرية في منطقة ضميره.. في منطقة السريرة و النية.. فأنت تستطيع أن تجبر خادمك على أن يهتف باسمك أو يقبل يدك، و لكنك لا تستطيع أن تجبره على أن يحبك.. فمنطقة الحب و الكراهية و هي منطقة السريرة منطقة حرة حررها الله من كل القيود و رفع عنها الحصار و وضع جنده خارجها..
لا يدخل الشيطان قلبك إلا إذا دعوته أنت و فتحت له الباب.
و قد أراد الله هذه النية حرة لأنها مناط المسئولية و المحاسبة.
أما منطقة الفعل فهي المنطقة التي يتم فيها التدخل الإلهي عن طريق الظروف و الأسباب و الملابسات ليجعل الله أمرا ما ميسرا أو معسرا حسب نية صاحبه.

(( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) )) (الليل)

يمهد الله أسباب الشر للأشرار.. و يمهد أسباب الخير للأخيار.. ليخرج كل منا ما يكتمه و يفصح عن سريرته و نيته و يتلبس بفعله.
و بهذا لا يكون التسيير الإلهي منافيا أو مناقضا للتخيير، فالله يستدرج الإنسان بالأسباب حتى يخرج ما يكتمه و يفصح عن نيته و دخيلته و يتلبس باختياره.

الله بإرادته يفضح إرادتنا و اختيارنا و يكشفنا أمام أنفسنا.
و من ثم يكون الإنسان في كتاب الله مخيرا مسيرا في ذات الوقت.. دون تناقض.. فالله يريد لنا و يقدر لنا حتى نكتب على أنفسنا ما نريده لأنفسنا و ما نخفيه في قلوبنا و ما نختاره في أعمق الأعماق دون جبر أو إكراه، و إنما استدراجا من خلال الأسباب و الظروف و الملابسات.

و في إمكان الواحد منا أن يبلغ ذروة الحرية بأن تكون إرادته هي إرادة الله و اختياره هو اختيار الله و عمله هو أمر الله و شريعته.. بأن يكون العبد الرباني الذي حياته هي الناموس الإلهي، فيعبد الله حبا و اختيارا لا تكليفا.. إنه الحب الذي قال عنه المسيح:
(( لو كان في قلبك ذرة إيمان و قلت للجبل انتقل من مكانك لانتقل من مكانه)).
كما يحدث أن نعطي من ذات نفوسنا لمن نحب كذلك يعطي الله من ذاته لأحبابه، فيحقق لهم ما يشاءون فيكونون الأحرار حقا.

.............

د.مصطفى محمود
الشيطان يحكم

6 Comments:

At 11:26 PM, Blogger mid0 elmasri said...

ذره ايمان هتحرك الجبل .يا سلام ... ما علينا طيب انا ساعات بيبقى عندي نيه وحشه وبرضو ربنا بيمنعني انفذها .انا فرحان بكده ومبسوط ومش ربنا يستدرجني ولا حاجه بس انا بحس ان الانسان فى اغلب الاحوال مسير .ولو هنعتمد بقى على الاراده عشان نغير ونثور على البيئه والظروف اللى احنا فيها معلش بقى اغلب الناس معندهاش الاراده الحديد اللى بيتكلم عليها . والطبيعي ان العيله المحافظه الابن فيها يطلع محافظ لو هتقارن بالحالات اللى الابن بيطلع فاسد فيها هتلاقى نسبه الفاسدين قليله بتكون بسبب جهل الاباء فى التربيه بتحصل فجوه بين الابن والاسره بتخليه يمشى بدماغه . معروف ان طريق الصلاح صعب شويه والفساد مفيش اسهل منه .يبقى لو مشى بمزاجه هيمشى فى طريق الفساد ... بس تسدقى كده يبقى هو مخير لانه مشى بمزاجه ..لا بس دي حالات قليله .. اغلب اطفال الشوارع مسيرين مش مخيرين متصورش مثلا ان في طفل شارع هيطلع دكتور ولا مهندس ولا يعمل حاجه مفيده .. كل ذنبه انه اتولد واتربى فى الشارع مش بمزاجه يبقى طبيعي لو طلع نصاب ولا حرامي مش بمزاجه دا هو اجبر على كده وشب على النظام ده فاتعود عليه .. انا مش عارف ايه اللى بيجيب الافكار السوده عند مصطفى محمود ..تلاقيه كان قاعد بيضرب كوبايه شاى طقت على دماغه ا لفكره دي هههههههههه ياله باي

 
At 11:26 PM, Blogger mid0 elmasri said...

This comment has been removed by the author.

 
At 10:39 PM, Blogger mid0 elmasri said...

انتى اللى مش بتبتدخلى على البلوج يا هانم مش انا

 
At 11:49 PM, Blogger mid0 elmasri said...

انا حاسس اني موجود جوه مصنع سياسه مش فى بنك ..بجد انا حاسس ان حياتي بتترسم من جديد ربنا اداني فتره عشان اتغير غير انها فرصه للشغل هيا فرصه عشان الاقى نفسى .. انا عارف نفسى بكسلى بكل تفاصيلى الممله لو كنت مش شغال الفتره دي ولا كنت هتابع اخبار ويمكن كنت انزل التحرير من فتره للتانيه لمجرد اني ابقى عارف ايه اللى بيحصل بس ولا كنت هشترك فى اى حاجه ..حياه بدون معني .. دلوقت المدير بتاعي بيحلص شغل وينزل التحرير ولما بيجي ويحكي عن الاحداث اللى بتحصل هناك بحس اني خروووف وكان المفروض اكون هناك على الاقل فى يوم اجازتي .. طبعا انا مش هتكلم فى موضوع اذا كان الناس اللى فى التحرير دول على حق ولا على باطل لان ده موضوع مفروغ منه .. واللى ميشوفش من الغربال يبقى اعمي .ريلى انا فخور اني مجرد اعرف او حتي بتعامل باى شكل مع احمد صفوت المدير بتاعي انا طول حياتي بنقد الناس بس لاني ملقتش حد يستاهل منقدوش بس لما دعيت ربنا حياتي تتغير ابتديت اتعرف على اتنين من احسن الشخصيات اللى عرفتها فى حياتي . وان اوف زم اذ يو .. اند ازر اذ ماي ماندجر .. ثانكس جااد ..

 
At 1:00 AM, Blogger mid0 elmasri said...

بس لما بقعد افكر مع نفسى انا لو نزلت التحرير دلوقت وخدت طوبه فى راسى شوهت منظرى ولا عيني راحت - حتي لو الحكومه كلها جت تعتذرلى - هستفيد ايه !!!
حتى لو المطالب اللى الثوار دول بيطالبوا بيها اتحققت كلها المجلس العسكرى اتشال وجه مكانه الناس المدنين ايه اللى هيحصل - ايه النفع اللى هيعود عليا من ده كله - مرتبي هيزيد مثلا الاحلام اللى بحلم بيها هتتحقق ؟. هيبقى عندي عربيه عشان بهدله المواصلات او قله المواصلات .. انا بخرج من شغلى الساعه 1 بليل مش بلاقى باصات الجيزه بفضل واقف فى التلج مستني اى حاجه ويا تيجي يا متجيش .. اينعم الثوره دي عشان تطهر الفساد اللى فى البلد بس واضح انه مش بيتطهر وفى كل مكان هنلاقى الشحص الوحش اللى محدش عارف يعمل معاه ايه سواء كان فساده باين او مش باين .. الناس دلوقت فى التحرير بتطالب بمجلس رئاسى يتكون من خمسه منهم واحد عسكرى وواحد بيعبر عن التيار الديني وحد تاني ليبرالى ومش عارف ايه ...طب مهو فى الاخر الناس دي هتصطدم ببعض هو لو ده حصل يعني الحياه هتبقى بمبي .. بس مجرد نزول التحرير بخلى الواحد يحس بشعور حلو .. انه وطني كده وابن البلد دي بس فى النهايه مش كسبان حاجه بالعكس ممكن بعد ده كله يجي واحد ابن جزمه حيوووان لعبته اصلا انه يكسب فى الانتخابات اينا كانت الطريقه ويبقى هو ده اللى قش كل حاجه فى الاخر يعني الناس تنزل وتتبهدل عشان تنتخب حد فى النهايه ممكن يكون شخصيه زوباله بس مش واضح انه كده انا متعودتش ادي مجهودي لحد كفايه البهدله اللى انا فيها وبشتغل وبدي طاقتي لشركات بتمص دمنا ومفيش اى مزايا لا ماديه ولا عينيه .. انا مستني الفرج من ربنا وان شاء الله هيجي الوقت اللى هقدر استثمر فيه طاقتي ومجهودي لحسابى الشخصي مش لشركه صاحبها بيبهدل فلوسه اللى اعلم على ايه وفى الاخر بيتسمي من انه مش اشراف القوم

 
At 1:00 AM, Blogger mid0 elmasri said...

This comment has been removed by the author.

 

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker
Powered By
widgetmate.com
Sponsored By
Apply for Amex